كنت قد تجاذبت أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء عن بعض الأمور والإجراءات التي نتعرض لها ونحن نقوم بأمور حياتنا الروتينية ، فوجدنا ثمة مشكلة كبيرة في عقلية الكثيرين تكمن في عدم احترامهم للناس، ولا أبالغ بأن قلت بأن نسبة كبيرة منا لا تحترم الناس أو بمعنى آخر لا يحترمون الآخرين...ولا أقصد هنا المعنى الدارج لهذه المقولة والتي تعني أن هذا الشخص سليط اللسان فاحش القول بذيء الكلمات وقح التعامل مع الناس، فهذا أمر مفروغ منه لكون صاحب تلك الصفات لا ينبغي المجادلة في أمر خروجه عن الآداب العامة والأخلاق، ولكني أقصد أن الكثيرين يفتقدون إلى تلك العقلية التي تحترم الآخر في التعامل.. وبالطبع فأنا لا أقصد الجميع في ذلك وإنما هي ملاحظة عامة أصبحت واضحة وجلية تدلل على مدى التراجع الذي وصلنا إليه حتى على مستوى العلاقات الإنسانية، فنحن عندما نطالب الآخرين والعالم الغربي تحديداً بأن يحترمنا لا بد أولاً أن نقف وقفة صريحة مع أنفسنا ونسأل (هل نحن نحترم بعضنا البعض ؟) وأقصد هنا..في عالمنا العربي والإسلامي. فلا ننكر أبداً أن جزءاً كبيراً من ذلك قد نشأ معنا منذ طفولتنا وأثناء تعليمنا من خلال بعض المدرسين الذين يسيئون لطلابهم وينعتونهم بأسوأ الألفاظ والعبارات أمام زملائهم فينشأ الطالب دون احترام لشخصه وكيانه فينتقل ذلك إلى سلوكه مع الآخرين فتجده لا يهتم بهم ولا يراعيهم، ويتكرر الشيء نفسه في تعاملاتنا مع الموظفين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخدمية حيث يُمارس على أولئك نوع من الإهانة والتعامل اللا إنساني من قبل مسئوليهم فينقلون ذلك سلباً على المراجعين والمترددين فلا تجد أحدهم يبادر إلى خدمة الناس، بل وتجد أن بعضهم يفتقد إلى الذوق فتجده ينهر الكبير ولا يقوم بواجب الضيافة على أقل تقدير مع الناس..فلن يكلفه شيء مثلاً أن يقول للمراجع (تفضل استرح) طالما أن الكرسي أمام مكتبه وطالما أنه يرى الرجل وقد أتعبته المراجعات.. ولعل مقاطعة البعض للآخرين أثناء الحديث في المجالس كذلك لينم عن الشيء نفسه، ففي ذلك عدم احترام للآخر ولما يقوله، فهذا الذي يتكلم إنما هو إنسان له شخصية وكيان ينبغي احترامهما، حتى وإن كان ما يقوله مخالفاً لاعتقاداتنا ولآرائنا فإننا ينبغي أن ننتظره حتى ينهي حديثه ثم نناقشه مع بعض العبارات التي تدلل على الاحترام مثل (مع احترامي لما تقوله فإنني أرى عكس ذلك) أو (اسمح لي بأن اختلف معك في وجهة نظرك هذه) وهكذا .. ولعل هذا السلوك يصبح أكثر شراسة عندما يتسلح بالمنصب والقوة، فمثلاً الأجهزة الأمنية في العديد من الدول العربية أصبحت تفتقد إلى الحد الأدنى من تلك السماحة في التعامل والاحترام للآخر، وكأن الذي يذهب إليهم في أبسط شؤونه كتجديد رخصة القيادة كأنما هو مجرم هارب وينبغي إهانته لا احترامه على أساس من التعامل الخدمي الراقي..فأصبح من النادر أن تجد شرطياً أو جندياً بشوشاً يساعد المشاة مثلاً أو يحمل الأمتعة عمن لا يستطيع أو يعاون الآخرين في مشكلاتهم..إلا من رحم ربك. وأذكر أنني قد شاهدت برنامجاً متخصصاً عن تلك المهمات التي يقوم بها رجال الشرطة في الولايات المتحدة بدءاً من تلقيهم البلاغ وحتى ذهابهم للموقع فتجد أن تصرفهم حتى مع أعتى المجرمين يتصف بالاحترام، فتجدهم قبل أن يقبضوا على الشخص المطلوب يستجوبونه في الموقع استجواباً يدلل على رغبتهم في معرفة الذي جرى ومن ثم يقومون باتخاذ الإجراءات بعد أن يقوموا بإطلاع المتهم عليها كي يكون على بينة من أمره، وليس ذلك على الإطلاق فما فعلوه في سجن أبوغريب وفي معتقل غوانتناموا لا يمت إلى الإنسانية بصلة، أما ما يجري عندنا فيقوم الشرطة بالذهاب للموقع وأخذ المتهم عنوة دون إفهامه ما هي تهمته، ناهيك عن (كيفية) القبض عليه والتي تعلمونها تماماً ..فمتى نحترم بعضنا ونكرم الإنسان الذي كرمه خالقه عز وجل.